الدولة لا دين لها

محمد حسين الأطرش
عذرا فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الآزهر، فقد نقلت عنك وسائل الإعلام تمسكك بالمادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن دين الدولة المصرية هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر من مصادر التشريع، وكان لا بد أن أخذ على محمل الجد ما نقلوا عنك رغم استغرابي الشديد له وترددي في الرد عليه خشية أن يساء فهمي من شباب وشابات ميدان التحرير الذين نعتز جميعا بهم لكن حتمية إعادة كتابة الدستور في هذه الفترة يحتم علي كاختصاصي في القانون أن أجيب الآن. 
اسمح لي أولا أن أؤكد احترامي الكامل لحرية المعتقد وأن ما سأكتبه لا يهدف المس بعقيدة أي مؤمن إلى أي دين انتمى أو عقيدة آمن. 
بداية لا بد من تحديد الهدف الذي من آجله يصاغ الدستور، أي دستور في أي بلد، ألا وهو إيجاد عقد، وثيقة، يسعى إلى تنظيم شؤون الدولة التي تضم مواطنين فقط ومواطنين فقط بصرف النظر عما يعتمل في قلوبهم من معتقدات. فالدستور إنما ينظم ويحدد شكل الدولة وإطارها. فواجبات رئيس الدولة وصلاحياته ومدة ولايته لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بأي دين. ممثلوا الشعب وطريقة انتخابهم وشروط ترشحهم وعلاقة السطتين التنفيذية والتشريعية ببعضها وبالسلطة القضائية لا دخل لتعاليم المسجد أو الكنيسة فيها. شباب وشابات ميدان التحرير مواطنون فقط في نظر الدستور إلا إذا كان الدستور سينص على ما يميز بينهم على أساس الدين. 
ثانيا وللتأكيد على أن الدستور لا يوضع ليحمي الهوية الدينية لآكثرية أو لصيانة حقوق أقلية دينية يمكن لك مراجعة كافة الدساتير التي لم تتضمن يوما حقا لطائفة وحرمانا لآخرى فكل الدساتير مهما كانت وأينما كانت تتوجه لمواطن بآل التعريف ولا تتوجه لمؤمن بمذهب دون آخر وإلا صارت الدولة دولة مذهب الآكثرية وباقي فئات الناس لا علاقة لها بالدستور. 
ثالثا، كنت زمن الرئيس السابق مبارك تتولى مشيخة الآزهر وكان الدستور ينص على إسلامية الدولة مما يفرض رغم عدم النص دستوريا على ذلك ولكن انطلاقا مما يفرضه عليك الدين باعتبارك من علمائه الكبار، كان لا بد لك أن تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا أظنك كنت بغافل عن ممارسات النظام وآزلامه ومع ذلك لم نسمعك يوما تستند إلى إسلامية الدولة لتسمع مبارك آمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر إلا إذا كنت ممن يسوقون اليوم بأنهم قد نصحوا ونهوا وحذروا ولكن دون جدوى. 
دين الدولة دستورها الذي يضمن لكافة المواطنين المساواة والعدل وما يرتبط بها ويدور حولها من حقوق طبيعية تكرس له حقه الإنساني في حياة كريمة. لا فرق بين مسلم وقبطي لا فرق بين مسلم وبهائي، لا فرق بين مؤمن بحجر أو مؤمن بإله لأن الدولة بأجهزتها لا تبحث عما يجول في الإفئدة وإنما توجد الدولة وأجهزتها لتفرض واجبات وتحترم حقوق. 
إذا ما كانت الدولة إسلامية فهل يكون المسيحي من آهل الذمة. 
فضيلة الشيخ، مصر لكل المصريين بما فيهم أكثريتهم الإسلامية وأقليتهم القبطية. يتساوون في الحقوق والواجبات ويستشهدون سوية دفاعا عن ترابها. 
0
 
 

Post new comment